فصل: تفسير الآية رقم (44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (43):

{قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)}
{قَالُواْ} أي المجرمون مجيبين للسائلين {لَمْ نَكُ مِنَ المصلين} للصلاة الواجبة.

.تفسير الآية رقم (44):

{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)}
{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين} أي نعطيه ما يجب إعطاؤه والمعنى على استمرار النفي لا نفي الاستمرار واستدل بالآية على أن الكفار مخاطبون بفروع العبادات لأنهم جعلوا عذابهم لترك الصلاة فلو لم يخاطبوا بها لم يؤاخذوا وتفصيل المسألة في الأصول وتعقب هذا الاستدلال بأنه لا خلاف في المؤاخذة في الآخرة على ترك الاعتقاد فيجوز أن يكون المعنى من المعتقدين للصلاة ووجوبها فيكون العذاب على ترك الاعتقاد وأيضًا المصلين يجوز أن يكون كناية عن المؤمنين وأيضًا ذاك من كلام الكفرة فيجوز كذبهم أو خطؤهم فيه وأجيب بأن ذلك عدول عن الظاهر يأباه قوله تعالى: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ} إلخ والمقصود من حكاية السؤال والجواب التحذير فلو كان الجواب كذبًا أو خطأ لم يكن في ذكره فائدة.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)}
{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخائضين} أي نشرع في الباطل مع الشارعين فيه والخوض في الأصل ابتداء الدخول في الماء والمرور فيه واستعماله في الشروع في الباطل من المجاز المرسل أو الاستعارة على ما قرروه في المشفر ونحوه وعن بعضهم أنه اسم غالب في الشر وأكثر ما استعمل في القرآن بما يذم الشروع فيه وأريد بالباطل ما لا ينبغي من القول والفعل وعد من ذلك حكاية ما يجري بين الزوجين في الخلوة مثلًا وحكاية أحوال الفسقة بأقسامهم على وجه الالتذاذ والاستئناس بها ونقل الحروب التي جرت بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم لغير غرض شرعي بل لمجرد أن يتوصل به إلى طعن وتنقيص والتكلم بالكلمة يضحك بها الرجل جلساءه سواء كانت مباحة في نفسها أم لا نعم التكلم بالكلمة المحرمة لذلك باطل على باطل إلى غير ذلك مما لا يحصى وكان ذكر مع الخائضين إشارة إلى عدم اكتراثهم بالباطل ومبالاتهم به فكأنهم قالوا وكنا لا نبالي بباطل.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)}
{وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدين} أي بيوم الجزاء أضافوه إلى الجزاء مع أن فيه من الدواهي والأهوال ما لا غاية له لأنه أدهاها وأهولها وأنهم ملابسوه وقد مضت بقية الدواهي وتأخير جنايتهم هذه مع كونها أعظم من الكل لتفخيمها كأنهم قالوا وكنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم القيامة ولبيان كون تكذيبهم به مقارنًا لسائر جناياتهم المعدودة مستمرًا إلى آخر عمرهم حسا نطق به قولهم:

.تفسير الآية رقم (47):

{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)}
{حتى ءاتَيْنَا اليقين} أي الموت ومقدماته كما ذهب إليه جل المفسرين وقال ابن عطية اليقين عندي صحة ما كانوا يكذبون به من الرجوع إلى الله تعالى والدار الآخرة وقول المفسرين هو الموت متعقب عندي لأن نفس الموت يقين عند الكافر وهو حي فلم يريدوا باليقين إلا الشيء الذي كانوا يكذبون به وهم أحياء في الدنيا فتيقنوه بعد الموت انتهى وفيه نظر ثم الظاهر أن مجموع ما ذكروه سبب لدخول مجموعهم النار فلا يضر في ذلك أن من أهل النار من لم يكن وجب عليه إطعام مسكين كفقراء الكفرة المعدمين وفي الكشاف يحتمل الكلام أن يكون دخول كل منهم النار لمجموع الأربعة ويحتمل أن يكون دخول بعضهم لبعضها كان يكون ذلك لمجرد ترك الصلاة أو ترك الإطعام وفيه دسيسة اعتزال وهو تخليد مرتكب الكبيرة من المؤمنين كتارك الصلاة في النار وأنت تعلم أن الآية في الكفار لا في أعم منهم.

.تفسير الآية رقم (48):

{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}
{فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين} لو شفعوا لهم جميعًا فالكلام على الفرض واشتهر أنه من باب:
ولا ترى الضب بها ينحجر

وحمل التعريف على الاستغراق أبلغ وأنسب بالمقام والفاء في قوله:

.تفسير الآية رقم (49):

{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)}
{فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} لترتيب إنكار إعراضهم عن القرآن بغير سبب على ما قبلها من موجبات الإقبال عليه والاتعاظ به من سوء حال المكذبين ومعرضين حال لازمة من الضمير في الجار الواقع خبرًا لما الاستفهامية أعني لهم وهي المقصودة من الكلام وعن متعلقة بها والتقديم للعناية مع رعاية الفاصلة أي فإذا كان حال المكذبين به على ما ذكر فأي شيء حصل لهم معرضين عن القرآن مع تعاضد موجبات الإقبال عليه وتأخذ الدواعي إلى الإيمان به جوز أن يراد بالتذكرة ما يعم القرآن وما بعد يرجح الأول وهو مصدر عنى التذكير أطلق على ما ذكر مبالغة وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (50):

{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)}
{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} حال من المستكن في {معرضين} بطريق التداخل والحمر جمع حمار والمراد به كما قال ابن عباس حمار الوحش لأنه بينهم مثل بالنفار وشدة الفرار ومستنفرة من استنفر عنى نفر كعجب واستعجب كما قيل والأحسن أن استفعل للمبالغة كان الحمر لشدة العدو تطلب النفار من نفسها والمعنى مشبهين بحمر نافرة جدًا.

.تفسير الآية رقم (51):

{فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)}
{فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} أي أسد وهي فعولة من القسر وهو القهر والغلبة وأخرج ذلك ابن جرير وعبد بن حميد وغيرهما عن أبي هريرة وأخرجه ابن المنذر عن ابن عباس أيضًا بيد أنه قال هو بلسان العرب الأسد وبلسان الحبشة قسورة وفي رواية أخرى عنه أنها الرجال الرماة القنص وروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وابن جبير وعطاء بن أبي رباح وفي رواية أخرى عنه أخرجها ابن عيينة في تفسيره أنه ركز الناس أي أصواتهم وعنه أيضًا حبال الصيادين وعن قتادة النبل وقال ابن الأعرابي وثعلب القسورة أول الليل أي فرت من ظلمة الليل وجمهور اللغويين على أنه الأسد وأيًا ما كان فقد شبهوا في إعراضهم عن القرآن واستماع ما فيه من المواعظ وشرادهم عنه بحمر وحشية جدت في نفارها مما أفزعها وفي تشبيههم بالحمر مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم بين كما في قوله سبحانه: {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] أو شهادة عليهم بالبله وقلة العقل وقرأ الأعمش حمر بإسكان الميم وقرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم مستنفرة بفتح الفاء أي استنفرها فزعها من القسورة وفرت يناسب الكسر فعن محمد بن سلام قال سألت أبا سرار الغنوي وكان أعرابيًا فصيحًا فقلت كأنهم حمر ماذا فقال مستنفرة طردها قسورة ففتح الفاء فقلت إنما هو فرت من قسورة قال أفرت قلت نعم قال فمستنفرة إذن فكسر الفاء وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (52):

{بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)}
{بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرئ مّنْهُمْ أَن يَأْتِى *صُحُفًا مُّنَشَّرَةً} عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل لا يكتفون بتلك التذكرة ولا يرضون بها بل يريد كل واحد منهم أن يؤتى قراطيس تنشر وتقرأ كالكتب التي يتكاتب بها وجوز أن يراد كتبًا كتبت في السماء ونزلت بها الملائكة ساعة كتبت منشرة على أيديها غضة رطبة لم تطو بعد وفيه بعد وذلك على الوجهين أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن سرك أن نتابعك فأت كل واحد منا بكتب من السماء عنوانها من رب العالمين إلى فلان بن فلان نؤمر فيها باتباعك فنزلت ونحوه قوله تعالى: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَءهُ} [الإسراء: 93] وقال: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي عن أبي صالح قال: قالوا إن كان محمد صادقًا فليصبح تحت رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءة وأمنة من النار وقبل كانوا يقولون بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوبًا على رأسه ذنبه وكفارته فأتنا ثل ذلك وهذا من الصحف المنشرة عزل إلا أن يراد بالصحف المنشرة الكتابات الظاهرة المكشوفة ونحوه ما روي عن أبي صالح فمآلهما إلى واحد لاشتراكهما في أن المنشر لم يبق على أصله وأن لكل صحيفة مخصوصة به إما لخلاصه من الذنب وإما لوجه خلاصة فالمعول عليه ما تقدم وهو مروى عن الحسن وقتادة وابن زيد وقرأ سعيد بن جبير صحفًا بإسكان الحاء منشرة بالتخفيف على أن أنشر الصحف ونشرها واحد كأنزله ونزله وفي «البحر المحفوظ» في الصحيفة والثوب نشر مخففًا ثلاثيًا ويقال في الميت أنشره الله تعالى ونشره ويقال أنشره الله تعالى فنشر هو أي أحياه فحي.

.تفسير الآية رقم (53):

{كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ (53)}
{كَلاَّ} ردع عن إرادتهم تلك وزجر لهم عن اقتراح الآيات {بَل لاَّ يَخَافُونَ الاخرة} فلذلك يعرضون عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف وحصول مقترحهم كما يزعمون وقرأ أبو حيوة تخافون بتاء الخطاب التفاتًا.

.تفسير الآية رقم (54):

{كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54)}
{كَلاَّ} ردع لهم عن إعراضهم {أَنَّهُ} أي القرآن أو التذكرة السابقة في قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] وكذا الضمير الآتي وذكر لأنه عنى القرآن أو الذكر {تَذْكِرَةٌ} وأي تذكرة.

.تفسير الآية رقم (55):

{فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)}
{فَمَن شَاء} أن يذكره {ذَكَرَهُ} وحاز بسببه سعادة الدارين والوقف على كلًا على ما سمعت في الموضعين وعلى منشرة والآخرة إن جعلت كما في الحواشي عنى إلا.

.تفسير الآية رقم (56):

{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)}
{وَمَا يَذْكُرُونَ} أي جرد مشيئتهم للذكر كما هو المفهوم من ظاهر قوله تعالى: {فَمَن شَاء ذَكَرَهُ} [المدثر: 55] إذ لا تأثير لمشيئة العبد وإرادته في أفعاله وهو قوله سبحانه: {إِلاَّ أَن يَشَاء الله} استثناء مفرغ من أعم العلل أو من أعم الأحوال أي وما يذكرون بعلة من العلل أو في حال من الأحوال إلا بأن يشاء الله تعالى أو حال إن يشاء الله ذلك وهذا تصريح بأن أفعال العباد شيئة الله عز وجل بالذات أو بالواسطة ففيه رد على المعتزلة وحملهم المشيئة على مشيئة القسر والإلجاء خروج عن الظاهر من غير قسر والجاء وقرأ نافع وسلام ويعقوب تذكرون بتاء الخطاب التفاتًا مع إسكان الذال وروي عن أبي حيوة يذكرون بياء الغيبة وشد الذال وعن أبي جعفر تذكرون بالتاء الفوقية وإدغامها في الذال {هُوَ أَهْلُ التقوى} حقيق بأن يتقي عذابه ويؤمن به ويطاع فالتقوى مصدر المبني للمفعول {وَأَهْلُ المغفرة} حقيق بأن يغفر جل وعلا لمن آمن به وأطاعه فالمغفرة مصدر المبني للفاعل وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه والنسائي وابن ماجه وخلق آخرون عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية هو أهل التقوى وأهل المغفرة فقال قد قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقاني فلم يجعل معي إلهًا آخر فأنا أهل أن أغفر له وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن دينار عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس مرفوعًا ما يقرب من ذلك وفي حديث أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى إني لأجدني استحي من عبدي يرفع يديه إلي ثم يردهما من غير مغفرة قالت الملائكة الهنا ليس لذلك بأهل قال الله تعالى: لكني أهل التقوى وأهل المغفرة أشهدكم أني قد غفرت له وكأن الجملة لتحقيق الترهيب والترغيب اللذين أشعر بهما الكلام السابق كما لا يخفى على المتذكر وعن بعضهم أنه لما سمع قوله تعالى: هو أهل التقوى وأهل المغفرة قال: اللهم اجعلني من أهل التقوى وأهل المغفرة على أن أول الثاني كثاني الأول مبنيًا للفاعل وثاني الثاني كأول الأول مبنيًا للمفعول وإلا فلا يحسن الدعاء وأن تكلف لتصحيحه فافهم والله تعالى أعلم.